نور الله في قي قلب المؤمن

آخر الأخبار

نور الله في قي قلب المؤمن

 

نور الله في قي قلب المؤمن


من فهم المثل لنوره الذي ضربه الله في آية النور علم كيف زاد نورا إلى نوره، قال الله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.

فنور المؤمن في قلبه كمشكاة فيها مصباح والمشكاة جسم المؤمن والمصباح نور الإيمان، والزجاجة التي فيها مصباح؛ قلبه. وهذا المصباح يوقد من شجرة مباركة زيتونة والمراد بها النبي صل الله عليه وسلم فإنه ولد في مكة في جزيرة العرب لاشرقية ولا غربية لأنها تقع على وسط الأرض بإجماع أهلها. وزيتيها التي يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار هو ما جاء به من القرآن والسنن فإنه في غاية الصفاء ليس فيه كدر.

فكل المؤمن كان في قلبه النور وهو نور الإيمان الذي بدأ الله فيه، وهذا النور يتصل بالنبي صل الله عليه وسلم ويحصل من مدده فكلما كان المؤمن أشد قربا من النبي صل الله وسلم واتباعا لما جاء به كان قلبه أشد تنورا، ومعلوم أن ذلك يحصل إذا تعلمت الكتاب والسنة فعلمت وعملت بما فيهما. وقد شاء الله أن يكون أقرب الناس إلى الله أقربهم بالنبي، وأعلاهم منزلة أقربهم بالنبي، وأقوهم إيمانا أقربهم بالنبي صلى الله عليه وسلم.

ونور المؤمن أيضا يأخذ نورا من نور الله إذا صفا قلبه وصقل ( كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ)، حيث لا يكون فيه الرين.فلذلك، أول ما تفعل لتجلب نور الهداية من الله هو التوبة وترك المعاصي لأن الله قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. والمعصية تسود القلب وتمنع من قبول الهداية، ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾. قال سهل بن عبد الله رحمه الله: حرام على قلب أن يشم رائحة اليقين وفيه سكون إلى غير الله تعالى وحرام على قلب أن يدخله النور وفيه شيء مما يكرهه الله تعالى.

ثم بعد ذلك، كثرة الصلاة لا سيما صلاة الليل وقد قال النبي صل الله عليه وسلم: “وَالصَّلَاةُ نُورٌ”،[1] وتلاوة القرآن وكثرة الذكر ودوامه، ثم لزوم المكان الذي انتشر فيه النور من مجالس الذكر والعلم، وأفضله لزوم المساجد لا سيما لصلاة الجماعة، وذلك لأن الله بعد قوله؛ ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، يقول: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾، يعني هذا النور في بيوت أذن الله أن تُعظم ويذكر اسمه، وهي المساجد التي بنيت لعباده. فمن كثر تردده في المساجد للصلاة وغيره من العبادة لا بد أن ينال هذا النور، ولهذا أرشد رسول الله صل الله عليه وسلم لمن توجه إلى المسجد أن يدعو: اللهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَعَظِّمْ لِي نُورًا .[2] وقد ذكر الله في من يعمر مساجد الله أنه من المهتدين، فقال؛ ﴿فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾، ومن هنا تعلم مزية تعلم العلم وتعليمه في المساجد كما هو عادة سلفنا الصالحين. ثم مجالسة أولياء الله الصالحين وعباده المقربين -الذين تنورت قلوبهم بنور الله- تقتبس منهم نورا. ثم كثرة الصلاة على النبي فإن صلاتك عليه صلة بينك وبينه صلى الله عليه وسلم. وجميع الأعمال الصالحات يكون لصاحبه نورا فالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ، فعليك بالإكثار منها.

فمن فعل الذي ذكرنا كان إيمانه في النماء والزكاة، وما زال يُرى فيه الخيرات من ثمرات إيمانه ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾. وكان له نور أضاء ما حوله وأبصر به الطريق أمامه، في الدنيا وفي الآخرة، ﴿يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾. أما في الدنيا فنور يبصر به الأمور؛ يميز به الحق والباطل والخير والشر والنفع والضر، ويحلّ به المشاكل ويسهل منه المعاضل، ويهديه إلى البر والطاعة، فلا يشتبه عليه أي شبهة، وهان عليه أمر الحياة ولا يزال في زيادة من صلاح. وأما في الأخرة، فنور يمر به على الصراط يهديه إلى الجنة. فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: يؤتون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة، ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم، وأدناهم نورًا على إبهامه يطفأ مرة ويقدُ مرة. وعَنْ قَتَادَةَ قال: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يُضِيءُ نُورُهُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى عَدَنَ أَبْيَنَ فَصَنْعَاءَ فَدُونَ ذَلِكَ، حَتَّى إِنَّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُضِيءُ نُورُهُ إِلَّا مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ».[3] وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: «اتَّقُوا فِرَاسَةَ المُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ».[4]

فسبحان الذي يهدي بنوره لنوره من يشاء ﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾[5]. نسأل الله أن ينور قلوبنا بنوره ويسقينا من علمه ويغنينا بحلاله عن حرامه.




إرسال تعليق

اهلا ومرحبا

أحدث أقدم
اعلان ادسنس اول المقال
اعلان ادسنس نهاية المقال
اعلان ادسنس بعد مقالات قد تعجبك

نموذج الاتصال